مخاطر الحرب تتصاعد- إسرائيل وحزب الله على حافة الهاوية؟

المؤلف: محمود علوش10.22.2025
مخاطر الحرب تتصاعد- إسرائيل وحزب الله على حافة الهاوية؟

تتصاعد المخاوف بشكل ملحوظ من نشوب حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله، فالأمر لا يتعلق بمجرد مناوشات عابرة، بل بصراع محتمل ذي أبعاد واسعة، فالحرب قائمة بالفعل على هذه الجبهة منذ ما يقارب ثمانية أشهر، لكنها تدار بحذر شديد، في محاولة للسيطرة على مسار الأحداث وتجنب الانزلاق إلى مواجهة أوسع.

وبالنظر إلى ما يجري على أرض الواقع، فإن الوضع يتجاوز مجرد تبادل الضربات اليومية والخسائر في الأرواح والممتلكات، فقد ألحقت إسرائيل دمارًا واسع النطاق بالقرى والبلدات اللبنانية المتاخمة للحدود، وامتدت آثار هذا الدمار إلى عمق خمسة كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية. وقد اضطر أكثر من 95 ألف نسمة من السكان المحليين إلى النزوح، وذلك في إطار سعي إسرائيل إلى فرض منطقة عازلة داخل الحدود اللبنانية، وتحويلها إلى أمر واقع، وتجدر الإشارة إلى أن حجم الدمار الذي خلفته إسرائيل في هذه المناطق يتجاوز بكثير ما خلفته الحرب الإسرائيلية على لبنان في عام 2006.

في الواقع، نجحت إسرائيل إلى حد ما في تحقيق هدفها المتمثل في إقامة منطقة عازلة، والتهديد بالحرب الشاملة يهدف إلى ترسيخ هذا الواقع الجديد، إما من خلال التوصل إلى تسوية سياسية، أو عن طريق تصعيد الضغط العسكري على حزب الله لإجباره على القبول بالأمر الواقع والانسحاب إلى ما وراء نهر الليطاني.

إلا أن هناك عاملين رئيسيين حالا حتى الآن دون اندلاع حرب واسعة النطاق، أولهما أن الطرفين ليسا متحمسين للدخول في حرب شاملة، على الرغم من أن هذا الاحتمال يبدو قائماً في نهاية المطاف، فالطرفان يدركان جيدًا التكاليف الباهظة التي ستترتب على مثل هذه الحرب في الوقت الراهن، فضلاً عن أن الظروف الحالية لا تساعد أياً منهما على خوض هذه المغامرة، فإسرائيل لا تزال غارقة في حربها المستمرة في غزة، وتعاني من انقسامات داخلية حادة، في حين يدرك حزب الله أن التكاليف التي سيتكبدها في حرب كهذه ستكون أكبر بكثير من الحروب السابقة.

يضاف إلى ذلك أن الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان، والاستقطاب السياسي والطائفي والمجتمعي الحاد، يزيد من الضغوط على خيارات الحزب في هذه المواجهة، أما العامل الثاني الذي يحد من احتمال نشوب حرب واسعة، فيتمثل في أن أبرز حلفاء كل من إسرائيل وحزب الله، وهما الولايات المتحدة وإيران، لا يرغبان في اندلاع مثل هذه الحرب، خشية أن يجرا إلى التدخل فيها بشكل مباشر، وهو سيناريو لا يفضله الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يسعى جاهدًا للحد من تداعيات حرب 7 أكتوبر على السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وعلى فرص إعادة انتخابه في نوفمبر المقبل.

كما أن طهران، التي تسعى إلى خروج حليفها الأقوى في المنطقة بأقل الخسائر الممكنة، ترى أن فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها في حرب غزة يكفي وحده للخروج من تداعيات 7 أكتوبر بمكاسب إستراتيجية كبيرة لها ولحلفائها في منطقة الشرق الأوسط، علاوة على ذلك، فإن خروج الصراع الخفي بين إسرائيل وإيران إلى العلن يزيد من مخاطر اندلاع حرب مباشرة بين الطرفين، إذا ما شعرت طهران بتهديد وجودي لحزب الله.

وعلى الرغم من أن هذين العاملين لا يزالان يشكلان رادعًا لتوسع نطاق الحرب، فإن المعضلة الإستراتيجية التي تواجهها إسرائيل في التعامل مع التحدي الذي فرضه حزب الله من خلال انتشاره العسكري بالقرب من الحدود، والصعوبة في إقناع آلاف الإسرائيليين الذين نزحوا من المناطق الشمالية بالعودة إلى ديارهم، تضغط بشدة على الخيارات الإسرائيلية. وتواصل الولايات المتحدة جهود الوساطة للتوصل إلى تسوية تنزع فتيل الحرب الشاملة، ولكنها تواجه عقبات جمة، فمن الصعب على واشنطن أن تلعب دور الوسيط النزيه، لأنها غالبًا ما تطرح الشروط الإسرائيلية.

ومع ذلك، يتعين على واشنطن والمجتمع الدولي ألا يستسلموا لفكرة أن الحرب الشاملة أمر لا مفر منه، على الأقل في الوقت الراهن، لأنها ببساطة ستدخل منطقة الشرق الأوسط في حقبة أمنية أكثر خطورة بكثير مما هو عليه الوضع حاليًا بعد حرب 7 أكتوبر، ونظرًا للارتباط الوثيق بين المواجهة بين إسرائيل وحزب الله والحرب على غزة، فإن الحرب الشاملة ستدمر أي فرصة للتوصل إلى تسوية تنهي الحرب في غزة.

يضاف إلى ذلك أن لبنان يعاني من أزمة سياسية واقتصادية حادة، وأن اندلاع حرب على أراضيه قد يفضي إلى كارثة إنسانية مروعة وانهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة، مما يخلق بيئة أمنية واجتماعية مواتية لانتشار الفوضى، والتي سرعان ما ستتحول إلى تهديد جديد للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

وحتى لو تمكن حزب الله وإسرائيل من تجنب "الحرب الشاملة" في الوقت الحالي، فإن معضلة استعادة الردع الإسرائيلي في مواجهة حزب الله ستظل قائمة، ومثل هذه الحرب، سواء اندلعت في المستقبل القريب أو البعيد، لن تقتصر أهدافها الإسرائيلية على إقامة منطقة عازلة، بل ستشمل تدمير القدرات الصاروخية للحزب أو إضعافها على أقل تقدير، ولكن، مع الأخذ في الاعتبار العقبات الكبيرة التي تعيق خيارات إسرائيل، فإن التوصل إلى تسوية تمنع اتساع نطاق الحرب لا يزال ممكنًا.

ويعتبر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي أنهى الحرب الإسرائيلية على لبنان في عام 2006، والذي انسحب بموجبه حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، الأساس الذي يمكن أن تقوم عليه أي تسوية محتملة، والعقبة الوحيدة التي تحول دون إبرام مثل هذه التسوية تكمن في صعوبة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. وإذا التزم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوعوده بالانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب قريبًا، كما صرح مؤخرًا، فإن الظروف اللازمة لإبرام تسوية على الجبهة مع حزب الله قد تتحسن.

إلا أن عامل الوقت في التوصل إلى مثل هذه التسوية لا يقل أهمية عن ظروف الحرب نفسها، فإصرار نتنياهو على مواصلة الحرب في غزة يعكس رهانه على الحفاظ على الوضع الراهن حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر المقبل.

وهو يعتقد أن عودة محتملة لدونالد ترامب إلى البيت الأبيض ستساعد إسرائيل في تحقيق أهدافها في الحرب على غزة، وفي شن هجوم واسع النطاق على حزب الله، وفي المقابل، يستخدم حزب الله تصعيد هجماته على إسرائيل لزيادة الضغط عليها وتقليل هامش المناورة المتاح لنتنياهو لإطالة أمد الحرب على غزة وعلى الجبهة الشمالية لأطول فترة ممكنة، وذلك بهدف تغيير الظروف الأميركية.

لكن هذه الاستراتيجية القائمة على الانتظار محفوفة بالمخاطر، لأنها تخلق هامشًا للأخطاء في الحسابات والتصرفات وردود الأفعال، مما قد يؤدي إلى توسيع دائرة الحرب.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة